**الحطاب**
سالي محمد مجدي
الحطاب
الجزء الاول
----------
في قديم الزمان وفي بلاد بعيدة يعيش شاب فقير يعمل حطاباً يخرج للغابة كل يوم مع
شروق الشمس ولا يعود حتى تغيب محملاً بالحطب ليبيعه لأهل القرية ليستدفئوا به
ويعيش بمكسبه البسيط
وذات يوم وهو عائد للقرية من الغابة سمع صوت غناء آت من ناحية النهر
وضع الحطب عن ظهره وإتجه ناحية الصوت كأنه ينجذب بقوى خفية لا يدرك
ماهيتها
كان صوت غناء لم يسمع مثله من قبل وكأنه يأتي من الجنة ... من عالم آخر
إقترب ووجد فتاة غاية في الجمال نائمة على حافة النهر ساقيها داخل المياه تلهو مع
بعض الأسماك والحيوانات بالورود وهي تغني ... ترتدي فستاناً أبيضاً شفافاً بعض
الشئ واضح عليه الفخامة مزين بفصوص من الألماس تعكس جميع ألوان الطبيعة
حولها على جسدها الرشيق المشدود
وكان شعرها الكثيف الناعم مفروداً بعشوائية جميلة ... ويغطي معظم وجهها .....
إقترب منها أكثر ...
فإنتفضت وقامت ونظرت إليه
إعتذر لها عن إخافتها ونظر لوجهها الجميل الملائكي .....
متأكداً أنه لم يرها من قبل في القرية فهذا الوجه إن رآه من قبل لم يكن لينساه أبداً
ولكن تلك الغابة لا يدخلها إلا أهل قريته فلا توجد قرى أخرى قريبة من الغابة
جلس بجانبها وظلا يتحدثان ويضحكان .. حتى غابت الشمس وإنعكست أشعة القمر
على النهر فقاما يلهون في الغابة على الضوء الفضي الفاتن
وأخذته لأماكن جميلة لم يرها من قبل كأنها تدرس مخابئ تلك الغابة ودهاليزها
مرت ساعات وساعات وهما لا يشعران بالوقت حتى إقترب شروق شمس اليوم التالي
فرأى من بعيد مشاعل تقترب .. إنهم أهل القرية يبحثون عنه وينادون بإسمه
إنتفضت هي واقفة مذعورة وجرت فجأة من أمامه حتى إختفت بين الأشجار الكثيفة في
ظلام الليل
حاول اللحاق بها ولكن دون جدوى....
وجده بعض رجال من أهل القرية اللذين خافوا أن يكون قد أصابه مكروه لأنه لم يعد
لكوخه ...... ورحل معهم تاركاً قلبه مع فتاة الغابة الفاتنة
ظل يوميا ًيدخل للغابة باحثاً .. ليس عن الحطب بل عن الفتاة التي لا يعرف لها عنواناً
ولا يعرف لها إسماً
صورتها لا تفارق عينه ... وأصبح عاشقها المجنون
إبتسامتها ضحكاتها كلامها مزاحها في تلك الليلة أصبح هو كل ذكرياته
ظل يبحث عنها ويصفها لأهل القرية كلهم ربما كانت بنت أحدهم أو هناك من يعرفها ولكن بلا جدوى
شهور مرت وهو على هذه الحال حتى إعتقد أهل القرية أنه جن من مكوثه ليلاً في
الغابة بمفرده لوقت طويل
وذات يوم وكعادته وهو يحمل الحطب إقترب من النهر عند أول مكان رآها فيه وجلس
يحدث الماء كالمجنون:
_(ألم تكن هي معي يوماً .... إشهد أنت أيها النهر... لقد أصبحت كالمجنون .... أشك
في عقلي ... لا يمكن أن تكون قد تبخرت ... لم أعد أرى من نساء الكون غيرها...
أبحث عن وجهها في الوجوه .. عن صوتها بين الأصوات... لقد أحببت فتاتك الجميلة
ومستعد لدفع عمري ثمن أن أجدها ليلة أخرى إني أحبها بجنون(
شعر بصوت أنفاس مصحوب ببكاء
إستدار فجأة فرأى خيال فتاة تركض
ركض وراءها حتي لحقها,.... إنها هي الجميلة
كانت تبكي ....
عاتبها قائلا:
_(لماذا إختفيتي طوال هذه الفترة .... أحببتك رغم لقاءنا لمرة واحدة(
قالت باكية:
_(وأنا أيضاً أحبك .... ولذلك كنت أراقبك يومياً طوال الفترة الماضية دون أن تشعر
الى أن شعرت بي اليوم ... للأسف(
_(للأسف!!!!!!..
سنتزوج إذن .... فأنا أحبك من قبل أن أراكِ .... كنت أبحث عنك منذ سنوات حتى
وجدتك وعرفك قلبي .....لن أجعلك تتركينني أبداً .... فقد أصبحتِ عالمي وأصبحت أدور في فلكك(
_(وأنا أيضاً ... لذلك هربت منك .... لأني شعرت بنفس الإحساس ... إنسني وأتركني
وأرحل... إعتبرني حلماً حلمته وإنتهى(
فجذبها لتقترب منه:
_(ولكنك واقع .... ها أنتِ ذا أمامي ولست حُلماً(
_(بل سأتحول لكابوس إن خرجت من كوني حُلماً)
وإنهارت بالبكاء فقال لها راجياً وهو يمسك يدها:
_(يجب أن أفهم ... أرجوكِ (
نظرت إليه ومسحت دموعها وقالت بجدية:
_(أنا بنت ملك الجان ... أنا لست إنسية .... أنا جنية .... هل ستظل تحبني ... أم ستخاف مني الآن؟(
نظر إليها غير مستوعب فاغراً فاه ... هل الوحيدة التي يدق لها قلبه بكل هذا الحب
تكون من معشر الجان
أمسك يدها ونظر إليها وقال وقد حسم أمره:
_(أحبك)
_(أنا جنية ... هذا حب مستحيل لي عالم ولك عالم... لا يمكن أن يجمعنا عالم واحد(
فوضع يده على فمها حتى لا تكمل حديثها وقال:
_(مهما كانت كينونتك .... أحبك(
إبتسمت وقالت له:
_(في قوانين عشيرتنا يمكن أن أعيش مع الإنس وأصبح إنسانة أو تعيش أنت مع
الجان ولكنك ستظل إنساناً بيننا .... بمباركة والدي ملك الجان .... فإختر إما أن
تعيش معي زوجاً لإبنة ملك الجان أو أعيش معك في كوخك ولكني سأكون إنسانة
عمياء .... إنسانة مثلك مخلوقة من لحم ودم (
فكر وقال لها:
_(هل أنتِ مستعدة لتضحي بمملكتك وعينيك وأنتِ جنية لتكوني رفيقة عمري الإنسانة؟(
فقالت وهي تبتسم:
_(مستعدة (
_(وأنا سأكون عينيك ... بل سأجعلك تري بعيني)
إبتسمت وأخذته من يده وأسرعا الخطى الى أن وصلا لهضبة بين الأشجار وأشارت له
أن ينتظرها ثم إنشقت صخرة غاصت بداخلها
جلس تحت شجرة ينتظرها حتى غلبه النوم
فإستيقظ على صوتها مذعورة تناديه وهي تخرج وتحاول أن تمشي وتتعثر وتسقط ...
ورآها وقد خلعت ملابس الأميرات وإرتدت ملابس بسيطة آدمية
وعرف أنها قد فقدت عينيها
عرف أنها أصبحت إنسانة مثله الآن
إنسانة عمياء فقيرة
إحتضنها وأخذها للقرية
تزوجها وعرفها بأهل القرية على أنها فتاة أحلامه التي قابلها منذ فترة ولكنها من قرية مجاورة وها هو قد وجدها أخيراً
كانت محبوبة من الجميع
وجهها الملائكي وطيبتها جعلت جميع أهل القرية يحبونها ويشفقون عليها لفقدانها نعمة البصر
بالطبع لم تكن تجيد الإعتناء حتى بنفسها
فكان عليه أن يذهب لعمله ليجلب المال البسيط ويطعمها ويشربها وينظفها فهي إن تحركت خطوتان وحدها تتعثر وتسقط
كان في البداية سعيداً جداً بالزواج من حبيبته
فهي طيبة وجميلة ورقيقة ... وإنسانة محبوبة
يوما بعد يوم بدأ يتعب.... بدأ يكره عجزها... نسي مع الوقت أنها أصبحت عاجزة
بسببه ولأجله ... لم يعد يتذكر سوى أنها زوجة عمياء....
شعرها الطويل الجميل إهمال الإعتناء به أتلفه
وجهها القمري بدت عليه آثار الذبول
فترتدي ملابس متسخه وهي لا تراها حتى أنها لا تدري إن كانت جميلة أم لا
وشعرت هي بكرهه لها
شعرت أنها أصبحت حملاً على ظهره
طريقة كلامه معها أصبحت جافة
شعرت بالحب يموت بعجزها وحمله الثقيل
كان يشرد ويقول لنفسه
_(ماذا فعلت بنفسي .... أي إختيار هذا الذي إخترته ...ها أنا مسجون مع زوجة
عمياء لا تقدر حتى على إطعام نفسها)
إنتظروا الجزء الثاني
No comments:
Post a Comment