يحيا الشرق .. قصة قصيرة بقلم / بيتر ماهر



من مجموعة صمت الطمي الصادرة عن دار غراب (يحيا الشرق ( الحارة السوداء التى إنطبع سواد حيطانها على ساكنيها ، الكبار منهم والصغار ، فهى من أوائل معاقل المرض للشرق كله ، تقاتل حارات سوداء أخرى ، ولكنها تنتصر بفضل شراسة ملامحها المتهدم أجزاء فيها ، بينما يظل ما فوق الأرض الكثير مازال شامخ وصامد . رغم نجاح الزمن فى نحت سماته عليها ، كانت أهم تلك السمات العفن والقدم البغيض ، لايفصل بينها وبين الغرب سوى جدار، واقف يعلن عن صفات من بناه كصفة الغطرسة مثلاً ، تسللت الأعشاب الضارة المره عليه وبين الأسلاك الشائكة ، فكان لها من الحظوظ السعيدة ، أن ترى الغرب الممنوع على أهل الشرق . أصبح الجدار فاصل ما بين عالمين ، عالم النسر الطائر ذو المخالب والعيون الثاقبة و الطموح الجامح ، وعالم اَخر من الذباب و الناموس ، فهو العالم المنبوذ المحتقر ، عالم الأرغفة المحشوة بالفارغ . رسموا على بعض الأجزاء منه ، صور أبطال الشرق البواسل العظماء ، من ماتوا فى محاولاتهم الدؤوبه الفاشله للعبور للغرب . قتلتهم جنود الحراسة ، مزقتهم كلابهم اللعينة ، هؤلاء الأبطال الذين لم تتجاوز أحلامهم طموحات الراحة والسلام . أنشأه أهل الغرب للفصل ما بين الأبيض والأسود ، ما بين الشمس والقمر ، بل ما بين الحياة والموت نفسه . عاش أهل الشرق مع حكايات من يعمل بتصاريح عمل هناك ، كم كانت حكايات ساحرة تخبل العقل ، حكايات عن فتيات الشوارع البيضاء الشقراء ، حكايات عن الخمر المعتق ، وعن الحب المنتشر حتى على أرصفة الطرقات . لم تسلم الأحلام والطموحات من جنود الشرق الحراس ، الذين ثقبوا فى الجدار ثقوب يتطلعون منها كنافذة على الحياة . وعلى إمتداد بصر أهل الحارة الشرقية الأولى ، كان الجدار يفصل ما بين واقع غبى ، وأحلام تنعش النفس وتيحي الروح من جديد . يحكى أن عدد من الرجال والنساء نصبوا الخيام قرب السور قرب الشمس كما ظنوا ، أعلنوا الإضراب ، أعلنوا الأمتناع عن أى طعام أو شراب إلا حينما يختلط الشرق بالغرب دون حواجز أو مسافات، رفعوا شعار يسقط السور ،وضعوه على الملابس رسموه على الأجساد،إنطبع فى الوجوه شعار السقوط يحكى أن أيضاً أن بكاء الأطفال وصرير أسنانهم فى عز الشتاء كانت تئن منه حتى الأرض التى يقفون عليها ،النداءات التوسلات الدموع التى تهبط فتكاد تزرع أشجار حزينة سوداء كل هذا لم يشفع وتحت إعتصار النفوس وعصر القلوب من أى أهتمام بهم رحلوا فى الرمق الأخير ،رحلوا شخص وراء شخص وكان اَخر شعار رفعوه دون جدوى فى مقابل اللامباله فكم مرة أجتمعت صراخاتهم وتفتت فى الهواء ،فى ظل تلك الأجواء الدرامية فى ظل سقوط أول مضرب عن الطعام ميتاً ،وتعلق أعين أقرب السكان بالسور بالمضربين ،عادوا ولكن ليس كما كانوا فى السابق بل منكسرين والانكسار هنا فى تكسر عظام الروح بل أنقطاع الخصوبة منها ربما نهائيا ً ،فقد كان هذا ما يسمى الإحباط بعينه ولذلك فكر بعض الأبطال ما من حاولوا العبور وفشلوا ، الذى ترك الرصاص فى أجسادهم ، نتوءات تشهد على بطولات العبور . قرروا إعادة المحاولة ، وبث روح العبور فى نفوس أهل الحارة ، أجتمعوا فى بيوتهم وفى الأزقة ، ووصفوا مزايا هدم الجزء المقابل لحاراتهم من الجدار، لتسير على نهجهم باقى حارات الشرق . فقال بعضهم دفاعاً عن فكرة الرحيل و لو بخسائر فى الارواح : لابد وأن تكون البداية لدينا ، فكم منا ضحى بحياته من أجل العبور، رصاصهم سيقتل ويصيب ، ربما مائه أو مائتين أو ألف أو أكثر ، ولكن سيعيش المتبقى منا الحياة ، فكروا فى مستقبل أولادكم الذى من المؤكد إنه سيضيع هنا ، ونحن لن ننتظر الموت الشرقى الأحمق ، الذى ينخر فى أجسادنا كاسوس ، لنتحلل حتى الموت. الوظائف الخالية التى يستدعونا إليها ، ما اسواءها من وظائف ، التى يستحى منها أهل الغرب . و نحن ماذا تبقى لنا هنا سوى الأرض ؟! وأن كانت خصبة ولكنها لا تنتج الكهرباء . هل تنتج الأرض وحدها ، وهل ۥتجنى الثمار بدوننا ؟ لقد مللنا وسئمنا إنتظار الزرع والحصاد ، فمن يريد الكهرباء والراحة والاشياء الزاهية ويكره الباهت فلينضم إلينا . هيا انهضوا يا أبطال الشرق ، لنهدم جدارهم ونمر. وقف دعاة الشرق يتعجبون ويحزنون من الأنصياع وراء أفكار الرحيل وهدم الجدار، لينادوا فى أهلهم أحياء النوازع الميته لديهم ، وحثهم على البقاء ، ويذكروا و لأول مرة فوائد للجدار، الذى يمنع وبدون شك غزو صفات وطباع الغرب البغيضة ، فانتشروا فى الحارة وفى الحارات الغامقة الفحمية فقالوا : الشرق هو الشمس ، ألا تجدوا ملامحه مطبوعه فينا ، و وجوهنا كيف تكون باللون القمحى المزروع فى ملامحنا ، ألا تشعروا بالخجل من دعوات الرحيل . كأسماك نحن فى حاراتنا السوداء التى صارت جزء منا الشرق يحبنا صدقونا . ولكن ما بوسعه أن يفعل شىء لنا ، نحن المسئولون الأوائل عن الحالة التى اَل إليها الاَن ، والحل أن تتكاتف جميع الحارات ونصنع شىء من جديد ، لنذوب فيه ويحتوينا بين جنباته . فما وراء الجدار لا يسعنا ابدا ً ، إنه الحلم الزائف . لا تنسوا فهم لا يملكون نهر مثلنا ، نلتف حوله ونغنى له ، فيجود علينا بالطمى والفيضان السنوى ، نحمل جميع صفات الوادى الخصيب الأسمر، فيدفعنا لتمسك به أكثر. إذاً فماذا هم يملكون ؟ سوى بحر مالح ، مائه لايروى عطش ظماَن ، يسبحون فيه بأوهام الخلود ، كم منهم مات بسبب غدره وفتكه بهم ! فلتحيا حاراتنا السوداء وليحيا الشرق نحتمى فيه ويحتمى بنا . واصل الطرفان الحكى ، ولكل طرف فيهم أسبابه فى الدفاع عن فكرته وشرح مزايا الفكرة. . و بمساعدة حراس الحد الشرقى ، الذين ضجروا من الثقوب ، فاشتاقوا للاختلاط ، وفى الموعد المقرر، أجتمع كل من أقتنع بفكرة الرحيل . اجتمعوا كبحر يستعد لنوة الشتاء العاتية ، استعدوا كأمواج لا تقبل الأنكسار على الشواطىء ، وكل منه لديه شىء لنقب جزء من الجدار أحضره ، وبدأ التدمير الذى تزامن مع أطلاق الرصاص فى الجانب المقابل ، فسقط الأ بطال والضحايا ، مع نجاح البعض منهم فى المرور ، ولم يعلموا أن أول طريق الغرب مفروش بالألغام . سقط القتلى كما يسقط الذباب والناموس فى المصايد ، غسل الأحمر الجدار وفشلت المحاولة . أمست أجسادهم الوجبة الشهية للطيور الغربية الجارحة ، وغطاهم التراب الممزوج بغبار الحانات والبارات وطواحين الكهرباء . رسموا أبطال المعركة الأخيرة على حوائط الحارة السوداء باللون الأبيض ، بيضوا وجهها بملامحهم البطولية . أستمرت محاولات العبور فمنها من نجح ومنها من فشل ، وأن كانت الأكثرية منها فشل . مع بقاء دعاة الشرق فى دعواتهم ، نحو الثبات والتنقيب والتفتيش ، لإخراج الشرق القابع فى قلوب أهل الحارة والحارات الشرقية جميعها . ورفعوا الشعار وجالوا به منادين يحيا الشرق يحيا الشرق .......

No comments:

Post a Comment