المكتبة المشؤمة - محمد توفيق محمد

.
المكتبة المشؤومة



لماذا اخترت هذه المكتبة، ولما ينقبض قلبي مع كل درجة من درجات سلمها، ولكني مجبر أن أصعد أفضل من هذه الأمطار الليليه التي شجّت رأسي قطراتها، وصوت الرعد الذي ينهي حالة الهدوء من القلوب،
 وليس كل المطر صديق، فهو أحيانا منذر ومحذر، وأخرى غازٍ ومدمّر، ونادرًا ما يكون حميم.
 دخلت المكتبه دون أن أدري كيف دخلت من بابها،
 ولا أدري سوى أن بوصولي بدأت خصلات بيضاء في شعري تظهر، رأيتها عندما تمايلت على جبيني، ما هذا المكان القديم، سحقا لهذه الأوتاد العالية التي قد أسسوا فيها أدراج الكتب، أبنيه متهالكة، وكتب مغطاة بالتراب، تبا لهذه المكتبة المظلمة ذات المصباح الواحد وسط الآلاف وملايين المجلدات، وهذا المبنى العتيق لا يوجد به سوى أنا والظلام، ربما يكون في الأدوار العليا أشخاص والحل الوحيد أن أقوم بقراءة عابره ثم أنصرف، ولكني مجبر أيضا أن أتوجه إلى هذه الكتب القريبة من المصباح لكي أرى ما سوف اقرأه، وبدأت انظر إلى المصباح العالي المزروع في وسط الأدراج الحجرية السوداء لتلك الكتب وأحسب عدد الطوابق المحتم علي صعودها، وشرعت فى الصعود بكل إصرار لأنه من المخيب أن لا أقرأ شيء بعد كل هذا العناء النفسي الذي كان رفيقي، وبينما أجتاز السلالم الغير منتظمة 2 وأتى زلزال عنيف يفجعني، قد عنفني وضرب المكتبة بأوتادها التي رأيتها والصخور تهوي منها، كان الثقلين يطرقون الأرض بمطارق فولاذيه، ورأيت الكتب تتطاير من أماكنها وشعرت أن المجلدات تنتحر وتلقى بنفسها أملًا في النجاة، وتواريت من الموت مرة، وكان القدر يسترني تارة أخرى، واستطعت أن أختبئ في مكان آمن بعد أن استمر الزلزال لأكثر من أربع دقائق، رأيت فيها جزء من المشهد المعلوم ليوم القيامة، وظننت نفسي بأننى الوحيد في العالم من هو حي، فقد ضرب الزلزال المكتبة ضربا موجعا أفقدها أغلبيه مبانيها، وأدى إلى انتحار جماعي لمعظم كتبها، فمنها من فقد عنوانه، وآخر تمزقت صفحاته، وثالث تحت الأنقاض في انتظار أحد الحظيين، أحسست  بالصخور العملاقة بباطن الأرض وهي تتصارع، وبعد انتهاء الهزّات المميتة أدركت اننى لست بحاجه للصعود لان الآن عاليها قد أصبح سافلها.
التقطت كتابا وفتحته لأجد ضوء منبعث منه ساعدني في القراءة، وليتني ما قرأت!
الطابق رقم سبعه الآلاف وتسعه دون مصاعد، خاص بالمحترفين في الصعود، وأخذت أقرأ في عشوائيته
3والآن وأنت تقرأ وفى داخلك خوف وريبة، وأعلم أنك كالنبتة التي كادت أن تبور وهى في أرضها، وأعلم أنك لن تنمو في هذه الأرض أبدًا،  فهذه الأرض التي وجدتك لن تستطيع إعطائك ولا تنميتك بعد الآن، فقد بارت الأرض عليك، ولكنك مازلت حيا تستطيع أن تعيد خصوبتها رغم قسوتها عليك، وبرحيلك الى أرض أخرى لتكمل فيها نموك، قد تنمو نموا فارعا أو تهلك من دون الكبر فاجعل كل خطواتك لنموك من أجل أن لا يكون نباتا بورا.
استغربت بكل ما يدور حولي في هذه الساحة السوداء، لألقي بالكتاب إلى مكان بعيد، وبصعوبة انتقلت لمكان آخر وسط الصخور والكتب والمجلدات المقتولة، وقدمي تتعثر وتلتوي، أصبحت مشردا ولاجئا في وسط المكتبة المشؤومة دون مأوى ولا قرار، لا استطيع الرؤية في حوالك الظلام، ثيابي مزقت إلا القليل، انتابني إعياء شديد كيف لي أن اخرج ومتى وهل سأنجو أم سأموت شؤما، حرمت علي كل مظاهر البشرية، وقبل أن أموت شرعت في الكتابة على أحجار كثيرة تاريخ كل يوم قضيته، أصبحت رئيسا للانفصاميين فى شخصياتهم فهناك آمال كبيرة في النجاة، وعوامل أكبر للموت المحقق، وسيدا للمتشائمين، وملكا فقد عرشه، وعبدا قد فقد حريته، كل الأشياء هنا توحي بالموت والهلاك حتى العناوين التي كانت مكتوبة على 4أقسام جدران المكتبة دمرت وغير كاملة، والكتابات الإرشاديه أصابها الانقسام والاغتراب حاليا قد بات رسميا دون مغالاة،
وألف سؤال يضربني هل بالخارج مازالت حياة وهل يوجد هنا طبيعة لأتعايش معها؟
وفي صراخ عالٍ ضرب مسامعي وبكاء، هزني صوت طفل صغير ولكن دون ان أعرف مصدر الصوت، من أين يأتى البكاء، وفى أي اتجاه أخطو وسط هذه الأطلال، ورحت أبحث عن مكان الصوت لأجد ما قد قسمني إلى أجزاء أكبرها كدمعه الطفل!
طفلا بحضن أمه ماسكا لها بشدة، والأم جالسه فى عمق موتها مزروع في رأسها قطعه حديديه ووجهها مغمور بالدماء، تأكدت أنه من نتائج الزلزال.
رأيتها راعيه لصغيرها في ذروة الموت، أخذت الصغير وعزمت على أن أخرج من هنا بالطفل حيا، وإلا سأنتهي، وتذكرت كلام الكتاب بأن الثمرة التي أهملتها أرضها ولم تعد قادرة على إعطائها تستطيع إذا اكتملت بعيدا عن أرضها أن تكون نبته مفيدة لأرضها التي أوقفت عنها الرعاية، وأن الثمار الجيدة تطرح فى أراضي جيدة، وتفيد كل الأراضي، أنا لن أترك الطفل يموت، وإذا مات جوعا أو بردا أو مرضا سوف أنتحر، تشبها بالمجلدات التي ألقت بنفسها لتموت بكرامتها أفضل من أن يعنفها الزلزال الغازي، لقد دخلت معركة فكريه ونفسية وجسدية شديدة الوطيس، ورحت أبحث عن خروج ووضعت الطفل في مكان أمين، وأخذت أسعى 5 وأناضل للحصول على بادرة أمل،

كنت أخشي على الطفل من إشعال نار، ولكن كان الظلام يمنعني الرؤية حتى بين جنباتي، وهنا أمسكت بحجرين لأضربهما لإحداث ضوء من خلال الشرارات، واستطعت أن أرى بقايا سلم وأخذت الطفل وصعدت لأضرب الأحجار مرات ومرات واصعد وأتسلق وهكذا لعشره ساعات وأنأ أتنقل بين الأنقاض المترامية، متبعا لضوء الشرارات لأجلس من العناء ممسكا بالطفل ضاحكا في وجهه، والدموع تمطر من عيني كسيل العرم الذي ضرب المملكة السعيدة،
بدأت تظهر على الطفل أعراض المرض وارتفاع حرارته واحمرار وجهه، وأخذ يصرخ بشدث وانتفضت للبحث عن خروج من أشد كرب رأيته في حياتي، لاسيما أننى حملت نفسي وضميري مسؤوليه حماية الطفل، حملته وأخذت أصارع تلك الأطلال
للوصول إلى سبيل، تضرعت إلى الله لينقذنا مجاهل القدر، أو ينقذ الطفل الذي كان في رعاية الأحياء وفي رعاية الأموات، والآن هو فى رعاية الأموات الأحياء، وها هي قطرات المطر عادت بصوت حنون بعد أن 6جلست راجيا الله من شده البلاء وبجواري جماعه أطلال الكتب، ورميت بظهري على حائط أنظر إلى ا
ليفتح بابا عملاقا بمجرد لمسه، لنرى عالما جديدا لا نعلم عنه شيء، لا نعرف إلا  أننا لابد أن نكون جزءا منه، وتزايد المطر وعاد من جديد، ولكن هذه المرة مطرا صديقا، نعم فالمطر الذي نهرني وكان قاسيا على رأسى عند دخولي المكتبة ليس هو مطر الآن الذي بعث فينا الروح بعد أن كنا أموات،
سوف تكبر يا صغيري وسوف اكون لك أبا في حياتنا الجديدة، وعليك أن تعلم أننا لم نكن نبحث عن بعضنا البعض وشاء القدر أن أخرج من تلك المكتبة المشؤومة وأنت برفقتي، عندما أموت احملني على ظهرك برفق.


بقلم/ محمد توفيق محمد


No comments:

Post a Comment