🍂
((زُعاق الغربة))
قلم/ندى إبراهيم الأحمد
ها قد رحلتِ، دون أن أعلم إن كان ذا اختبار محبة أم أنه واقع لا مناص منه!
وحينما صار سفرك يقينا بدأت زوبعة الاغتراب.
أنتِ من تغادرين وأنا من أهجر منافي الوطن!
ألم أقل لكِ سابقاً بأنك الطَّود الطاهر والركن الوثيق في مملكة وجودي، وأنكِ العشق الذي صار سديماً تكثّف حولي وأدفأني؟!
فحينما يَمْثُل وجهكِ المطمئن أمامي يعجزُ مدادي عن التسطير، وتستحيل مدوّنتي إلى جزأين : فجزء يَبْتلّ غارقاً في استشعار ذي النعمة الكبرى الماثلة أمامي (أمي) ، وجزء آخر في الخوف والزوال إذ هو الغاية والمنتهى "كل من عليها فان " ، ويحرك القلم ذاك الوريد مذ صدّركِ أمناً واستقراراً على ورقتين : ورقة بوحي و ورقة حياتي .. وما زلتِ النبض.
بذات السكينة تجلسين ، وها أنتِ بين غمرات الوسن كعادتك تنتظرين وقد أوشك الكرى يغالبك فتستسلمين.
أي شيء أعزوه إلى سيادتك أبلغ من كونك (الوطن) ، وآيات الوحي تشهد بأنك المرفأ والأرقى بل أنكِ الجنة ، وهل أجنّ وأجمل وأسمى من هكذا قدَرٍ ورفعة أيتها اللبؤة الحرة !
انهضي لحراستنا يا بؤرة الهدأة والأمان، فما أوجفت قلوبنا غير قضبان التيه وسط جولات البحث عن عفوية العافية وبسمة الحيوية التي كانت في سوابق العهد ومضي الوقت.
حينما أبدأ برسم العظمة تستدير الكمالية و تنحني صوب الحنّية، وحينما تتربع العاطفة لأبدأ بها أراها تكبر و تتضلع منها أسمى قيم الرقي فتجعل منك آلهة للعظمة وحورية في بساتين الأمومة وأسرار السحروالجاذبية، كما أنك ربة للإلهام دائما.
بالله وجّهيني بأي لغة أرسمك !
أبالحروف أسطّر جمالك أم بالألوان أذيّل صفحة علوك السماوية؟!
تقلّبي أيتها الأحوال، تجوّلي في محاريب القداسة، هدهدي، لملمي، اعصفي، بعثري، تجاوزي، افعلي كل شيء وستبقى الفريدة هادئة لن تجزر أو تضعف وروحها مع السماء عالقة.
و سأترك الشوق جانبا .. أحتاجكِ أمي
علميني كيف أكتم أنفاس الأتعاب وأجسر على تخطي شهق القمم وأسبح في وديان القبول فصدع الصمود تشظّى وتناثر، و بالية الحنين أصبحت على شفا التوزع و النضوب، حاربي في شخصي هذا الجمود واسمحي لي بثورة الدمع فأبكي -فسبحان من خلق الدمع وجعله للعين عنوانا- علّني أستريح من دقات هذا الهاجس اللعوب في مضامين نفسي، و التي اختلطت ولعبت دور القوة في مضمار صعب مرعب فتّاك حزين.
كلميني بلغة التهادي، وازرعي في قلبي بسمة ورواء حينما أراك على أقل القليل في حلمي تبتسمين.
يا من حمتني من وعثاء الضياع، ورعتني بين أحضان السلام، أتنقضين -الآن- هذا العهد الوطني والميثاق؟!
وتحرمينني نشوة الهدأة في روابي الجنان(حضورك أمي) !
أطعمينا الأمان وانهضي، فسربك يرتقب بلا كلل ..غير أن شمسه انكسفت!
ابقي شجرة زيتون أو سميراميس واقطني حدائق البقاء فمثلك أجدر بالافتخار وأبلغ بالإعجاب.
ها قد تضنيني الأماكن، فأرتحل معها زوبعةً تعصر الأحداث فتهيل تُرب ذاك الضيق والانكثام، الموسوم سربالاً يتقطّع ويقطر من الوريد، أتراه هو الآخر، أين يرتحل ؟!
إنه يراقب مكثي على عتبة قبرك ليخط هو الآخر حروفه بحقي :
لوّحت بيدها، استدارت، اغرورقت مقلتاها دموعا ..
فسرت أخاديد الحنين سافحةً، ماطرةً، عابرةً صفحات وجهها الحزين ..
إنها تنشر راية التوديع مع الاستسلام لذلك الحصن
المنيع القابع في ترب الحبيب (إنه الفقد)العاصف،
كماردٍ يجتز أوداج الشعور الرقيق، كلافت للحيارى في مهبّ الريح، كجاسر يستقوي على ضعف الفؤاد حينما يبلغ منه الشوق مبلغا!
تدور بها الأيام وتمضي بها تصاريف الأحوال، فتنقلب تارات وتهدأ لحظات، تجيد العزف مع النوتات فتقطع الشفرات وتحارب في نفسها كل الثورات.
أتراها تتفيّأ ظلال الارتياح بعد عبث الزمان، أم تراها تهتك أسورة الغلاظ الشداد من الأعمال علّها تنسى!
أو علّها تجد سلوةً بعد زعاق اليتم، فنخرهُ لعظام الاستقرار ليس بهيّن، وبعثرته للشخوص صعب المجمع، ناهيك عن أنه في الاحتياج تنصهر الشمعة!
تتلاشى .. لولا أن توقدها أعواد من رحمة، ترشقها دعوات الجُمعة.
وحقا .. الفقد اجتياح لمواطن الأمن، تشريدٌ مهما آوتْ الدعوات، وتبقى الثلمة في السعادات لا تُسَدّ أبداً!
انتهى ..
No comments:
Post a Comment